فصل: ذكر قتل عامر بن ضبارة ودخول قحطبة أصبهان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر قتل عامر بن ضبارة ودخول قحطبة أصبهان:

وكان سبب قتله أن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر لما هزمه ابن ضبارة مضى هارباً نحو خراسان وسلك إليها طريق كرمان وسار عامر في أثره. وبلغ ابن هبيرة مقتل نباتة بن حنظلة بجرجان، فلما بلغه خبره كتب إلى ابن ضبارة وإلى ابنه داود بن يزيد بن عمر بن هيرة أن يسيرا إلى قحطبة، وكانا بكرمان، فسارا في خمسين ألفاً، فنزلوا باصبهان، وكان يقال لعسكر ابن ضبارة عسكر العساكر.
فبعث قحطبة إليهم جماعةً من القواد، وعليهم جمعاً مقاتل بن حكيم العكي، فساروا حتى نزلوا قم.
وبلغابن ضبارة نزلو الحسن بن قحطبة بنهاوند فسار ليعين من بها منأصحاب مروان، فأرسل العكي من قم إلى قحطبة يعلمه يعلمه بذلك، فأقبل قحطبة من الري حتى لحق مقاتل بن حكيم العكي، ثم سار فالتقوا هم وابن ضبارة ودواد بن يزيد بن هبيرة؛ وكان عسكر قحطبة عشرين ألفاً، فيهم خالد ابن برمك! وكان عسكر ابن ضبارة مائة ألف، وقيل خمسين ومائة ألف؛ فأم قحطبة بمصحف فنصب على رمح، ونادى: يا اهل الشام! إنا ندعوكم إلى ما في هذا المصحف! فشتموه وأفحشوه في القول.
فأرسل قحطبة إلى أصحابه يأمرهم بالحملة، فحمل عليهم العكي، وتهايج الناس، ولم يكن بينهم كثير قتالٍ، حتى انهزم أهل الشام وقتلوا قتلاً ذريعاً، وانهزم ابن ضبارة حتى دخل عسكره وتبعه قحطبة، فنزل ابن ضبارة ونادى: إلي إلي! فانهزم الناس عنه وانهزم داود بن هبيرة، فسأل عن ابن ضبارة فقيل: انهزم. فقال: لعن الله شرنا منقلباً! وقاتل حتى قتل.
وأصابوا عسكره وأخذوا منه ما لا يعلم قدره من السلاح والمتاع والرقيق والخيل وما رئي عسكر قط كان فيه من أصناف الأشياء ما في هذا العسكر كأنه مدينة. وكان فيه من البرابط والطنابير والمزامير والخمر ما لا يحصى.
وأرسل قحطبة بالظفر إلى ابنه الحسن وهو بنهاوند، وكانت الوقعة بنواحي أصبهان في رجب.

.ذكر محاربة قحطبة أهل نهاوند ودخولها:

ولما قتل ابن ضبارة كتب قحطبة بذلك إلى ابنه الحسن وهو يحاصر نهاوند، فلما أتاه الكتاب كبر هو وجنده ونادوا بقتله، فقال عاصم بن عمير السعدي: ما نادى هؤلاء بقتله إلا وهو حق! فاخرجوا إلى الحسن بن قحطبة فإنكم لا تقومون له فتذهبون حيث شئتم قبل أن يأتيه أبوه أ مدد من عنده.
فقالت الرجالة: تخرجون وأنتم فرسان على خيول وتتركونا؟ وقال له مالك بن أدهم الباهلي: لا أبرح حتى يقدم علي قحطبة.
وأقام قحطبة على أصبهان عشرين يوماً، ثم سار فقدم على ابنه بنهاوند فحصرهم ثلاثة أشهر: شعبان ورمضان وشوال، ووضع عليهم المجانيق، وأرسل إلى من بنهاوند من أهل خراسان يدعوهم إليه وأعطاهم الأمان، فأبو ذلك.
ثم أرسل إلى أهل الشام بمثل ذلك فأجابوه وقبلوا أمانه وبعثوا إليه يسألونه أن يشغل عنهم أهل المدينة بالقتال ليفتحوا له الباب الذي يليهم، ففعل ذ1لك قحطبة وقاتلهم، ففتح أهل الشام الباب، فخرجوا، فلما رأى أهر خراسان ذلك سألوهم عن خروجهم، فقالوا: أخذنا الأمان لنا ولكم. فخرج رؤساء أهل خراسان، فدفع قحطبة كل رجل منهم إلى قائد من قواده ثم أمر فنودي: من كان بيده أسير ممن خرج إلينا فليضرب عنقه وييأتنا برأسه! ففعلوا ذلك؛ فلم يبق أحد ممن كان قد هرب من أبي مسلم إلا قتل إلا أهل الشام، فإنه وفي لهم وخلى سبيلهم وأخذ عليهم أن لا يملئوا عليه عدواً، ولم يقتل منهم أحداً وكان ممن قتل من أهل خراسان: أبو كامل، وحاتم بن لحارث بن سريج، وابن نصر بن سيار، وعاصم بن عمير، وعلي بن عقيل، وبيهس.
ولما حاصر قحطبة نهاوند أرسل ابنه الحسن إلى مرج القلعة، فقدم الحسن خازم بن خزيمة إلى حلوان وعليها عبد الله بن العلاء الكندي، فهرب من حوان وخلاها.

.ذكر فتح شهرزور:

ثم إن قحطبة وجه أبا عون عبد الملك بن يزيد الخراساني ومالك بن طرافة الخراساني في أربعة آلاف إلى شهرزور وبها عثمان بن سفيان على مقدمة عبد الله بن مروان بن محمد، فنزلوا على فرسخين من شهرزور في الغشرين من ذي الحجة وقاتلوا عثمان بعد يوم وليلة من نزولهم، فانهزم أصحاب عثمان وقتل، وأقام أبو عون في بلاد الموصل.
وقيل: إن عثمان لم يقتل ولكنه هرب إلى عبد الله بن مروان، وغنم أبو عون عسكره وقتل من أصحابه مقتلةً عظيمة؛ وسير قحطبة العساكر إلى أبي عون فاجتمع معه ثلاثون ألفاً.
ولما بلغ خبر أبي عون مروان بن محمد، وهو بحران، سار منها ومعه جنود أهل الشام والجزيرة والموصل، وحشر معه بنو أمية أبناءهم، وأقبل نحو أبي عون حتى نزل الزاب الأكبر. وأقام أبو عون بشعرزور بقية ذي الحجة والمحرم من سننة اثنتين وثلاثين ومائة، وفرض بها بخمسة آلاف.

.ذكر مسير قحطبة إلى ابن هبيرة بالعراق:

ولما قدم على يزيد بن عمر بن هبيرة امير العراق بانه داود منهزماً من حلوان خرج يزيد نحو قحطبة في عدد كثير لا يحصى ومعه حوثرة بن سهيل الباهلي، وكان مروان أمد به ابن هبيرة، وسار ابن هبيرة حتى نزل بحلولاء الوقيعة واحتفر الخندق الذي كانت العجم احتفرته أيام وقعة جلولاء، وأقام به وارتحل ابن هبيرة راحعاً إلى الدسكرة، وأقبل قحطبة حتى نزل قرماسين، ثم سار إلى حلوان،ثم إلى خانقين، وأتى عكبراء وعبر دجلة ومضى حتى نزل دمما دون الأنبار، وارتحل ابن هبيرة بمن معه منصرفاً مبادراً إلى الكوفة لقحطبة، وقدم حوثرة في خمسة عشر ألفاً إلى الكوفة.
وقيل: إن حوثرة لم يفارق ابن هبيرة.
وأرسل قحطبة طائفة من أصحابه إلى الأنبار وغيرها وأمرهم بإحدار ما فيها من السفن إلى دمما ليعبورا الفرات، فحملوا إليه كل سفينة هناك، فقطع قحطبة الفرات من دمما حتى صار في غربيه، ثم سا يريد الكوفة حتى أنتهى إلى الموضع الذي فيه ابن هبيرة، وخرجت السنة.

.ذكر عدة حوادث:

وحج الناس الوليد بن عروة بن محمد بن عطية السعدي، وهو ابن أخي عبد الملك بن محمد الذي قتل أبا حمزة، وكان هو على الحجاز. ولما بلغ الوليد قتل عمه عبد الملك مضى إلى الذين قتلوه فقتل منهم مقتلةً عظيمةً وبقر بطون نسائهم وقتل الصبيان وحرق من قدر عليه منهم.
وكان على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة، وعلى قضاء الكوفة الحجاج ابن عاصم المحاربي، وعلى قضاء البصرة عباد بن منصور الناجي.
وفيها توفي منصور بن المعمر السلمي أبو عتاب الكوفي. وفيها قتل أبو مسلم الخراساني جبلة بن أبي داود العتكي مولاهم أخا عبد العزيز بن دواد، ويكنى أبا مروان. ثم دخلت:

.سنة اثنتين وثلاثين ومائة:

.ذكر هلاك قحطبة وهزيمة ابن هبيرة:

وفي هذه السنة هلك قحطبة بن شبيب.
وكان سبب ذلك أن قحطبة لما عبر الفرات وصار في غربيه، وذلك في المحرم لثمان مضين منه، كان ابن هبيرة قد عسكر على فم الفرات من أرض الفلوجة العليا على رأس ثلاثة وعشرين فرسخاً من الكوفة، وقد اجتمع إليه فل ابن ضبارة، فأمده مروان بحوثرة الباهلي، فقال حوثرة وغيره لابن هبيرة: إن قحطبة قد مضى يريد الكوفة فاقصد أنت خراسان ودعه ومروان فإنك تكسره وبالحري أن يتبعك، قال: ما كان ليتبعني ويدع الكوفة، ولكن الرأي أن أبادره إلى الكوفة؛ فعبر دجلة من المدائن يرير الكوفة، فاستعمل على مقدمته حوثرة وأمره بالمسير إلى الكوفة، والفريقان يسيران على جانبي الفرات. وقال قحطبة: إن الإمام أخبرني أن لي في هذا المكان وقعة يكون النصر فيها لنا.
ونزل قحطبة الجبارية، وقد دلوه على مخاضة، فعبر منها وقال حوثرة ومحمد بن نباتة، فانهزم أهل الشام وفقدوا قحطبة، فقال أصحابه: من كان عنده عهد من قحطبة فليخبرنا به. فقال مقاتل بن مالك العتكي: سمعت قحطبة يقول: إن حدث بي حدث فالحسن ابني أمير الناس.
فبايع الناس حميد بن قحطة لأخيه الحسن، وكان قد سيره أبوه في سرية فأرسلوا إليه فأحضروه وسلموا إليه الأمر.
ولما فقدوا قحطبة بحثوا عنه فوجدوه في جدول وحرب بن سالم بن أحوز قتيلين، فظنوا أنكل واحد منهما قتل صاحبه.
وقيل: إن معن بن زائدة ضرب قحطبة لما عبر الفرات على حبل عاتقة فسقط في الماء فأخرجوه، فقال: شدوا يدي إذ أنا مت وألقوني في الماء لئلا يعلم الناس بقتلي.
وقاتل أهل خراسان فانهزم محمد بن نباتة وأهل الشام، ومات قحطبة، وقال قبل موته: إذا قدمتم الكوفة فوزير آل محمد أبو سلمة الخلال فسلموا هذا المر إليه.
وقيل: بل غرق قحطبة.
ولما انهزم ابن نباتة وحوثرة لحقوا بابن هبيرة، فانهزم ابن هبيرة بهزيمتهم، ولحقوا بواسط وتركوا عسكرهم وما فيه من الأموال والسلاح وغير ذلك. ولما قام الحسن بن قحطبة بالأمر أمر بإحصاء ما في العسكر.
وقيل: إن حوثرة كان بالكوفة فبلغه هزيمة ابن هيرة فسار إليه فيمن معه.

.ذكر خروج محمد بن خالد بالكوفة مسوداً:

وفي هذه السنة خرج محمد بن خالد عبد الله القسري بالكوفة وسود قبل أن يدخلها الحسن بن قحطبة وأخرج عنها عامل ابن هبيرة ثم دخلها الحسن.
وكان من خبره أن محمداً خرج بالكوفة ليلة عاشوراء مسوداً وعلى الكوفة زياد بن صالح الحارثي، وعلى شرطة عبد الرحمن بن بشير العجلي، وسا محمد إلى القصر، فارتحل زياد ومن معه من اهل الشام، ودخل محمد القصر، وسمع حوثرة الخبر فسار نحو الكوفة، فتفرق عن محمد عامة من معه لما بلغهم الخبر وبقي في نفر يسير من أهل الشام ومن اليمانيين من كان هرب من مروان، وكان معه مواليه وارسل أبو سلمة الخلال، ولم يظهر بعد، إلى محمد يأمره بالخروج من القصر تخوفاً عليه من حوثرة ومن معه، ولم يبلغ أحداً من الفريقين هلاك قحطبة، فأبى محمد أن يخرج، وبلغ حوثرة تفرق أصحاب محمد عنه فتهيأ للمسير نحوه.
فبينا محمد في القصر إذ أتاه بعض طلائعه فقال له: قد جاءت خيل من أهل الشام، فوجه إليهم عدة من مواليه، فناداهم الشاميون: نحن بجيلة وفينا مليح ابن خالد البجلي جئنا لندخل في طاعة الأمير، فدخلوا؛ ثم جاءت خيل أعظم من تلك فيها جهم بن الأصفح الكناني؛ ثم جاءت خيل أعظم منها مع رجل من آل بحدل؛ فلما رأى تلك حوثرة من صنع أصحابه ارتحل نحو واسط. وكتب محمد بن خالد من ليلته إلى قحطبة، وهو لا يعلم بهلاكه، يعلم أنه قد ظفر بالكوفة.
فقدم القاصد على الحسن بن قحطبة، فلما دفع إليه كتاب محمد بن خالد قرأه على الناس ثم ارتحل نحو الكوفة يوم الجمعة ويم السبت والأحد وصبحه الحسن يوم الأثنين.
وقد قيل: إن الحسن بن قحطبة أقبل نحو الكوفة بعد هزيمة ابن هبيرة وعليها عبد الرحمن بن بشير العجلي فهرب عنها، فسود محمد بن خالد وخرج في أحد عشر رجلاً وبايع الناس، ودخلها الحسن من الغد، فلما دخلها الجسن هو وأصحابه أتوا أبا سلمة، وهو في بني سلمة، فاستخرجوه، فعسكر بالنخيلة يومين قثم ارتحل إلى حمام أعين، ووجه الحسن بن قحطبة إلى واسط لقتال ابن هيرة، وبايع الناس أبا سلمة حفص بن سليمان مولى السبيع، وكان يقال له وزير آل محمد، واستعمل محمد بن خالد بن عبد الله على الكوفة، وكان يقال له الأمير، حتى ظهرأبو العباس السفاح.
ووجه حميد بن قحطبة إلى المدائن في قواد، وبعث المسيب بن زهير وخالدب بن برمك إلى دير قنى، وبعث المهلبي وشراحيل إلى عين التمر، وبسام بن إبراهيم بن بسام إلى الأهواز، وبها عبد الواحد بن عمر بن هبيرة. فلما أتى بسام الأهواز خرج عنها عبد الواحد إلى البصرة بعد أن قاتله وهزمه بسام، وبعث إلى البصرة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب عاملاً عليها، فقدمها وكان عليها سلم بن قتيبة الباهلي عاملاً لابن هبيرة، وقد لحق به عبد الواحد بن هبيرة، كما تقدم ذكره.
فأرسل سفيان بن معاوية إلى سلم يأمره بالتحول من دار الإمارة ويعلمه ما أتاه من رأي أبي سلمة، وامتنع وجمع معه قيساً ومضر ومن بالبصرة من بني أمية، وجمع سفيان جميع اليمانية وحلفاءهم من ربيعة وغيرهم، وأتاهم قائد من قواد ابن هبيرة كل بعثه مدداً لسلم في ألفي رجل من كلب، فأتى سلم سوق الإبل ووجه الخيول في سكك البصة ونادى: من جاء برأس فله خمسمائة، ومن جاء بأسير فله ألف درهم.
ومضى معاوية بن سفيان بن معاوية في ربيعة وخاصته، فلقيه خيل تميم، فقل معاوية وأتي برأسه إلى سلم، فأعطى قاتله عشرة آلاف، وانكسر سفيان بقتل ابنه فانهزم، وقدم على سلم بعد ذلك أربعة آلاف من عند مروان فأرادوا نهب من بقي من الأزد، فقالتلهم قتالاً شيداً، وكثرت القتلى بينهم، وانهزمت الأزد، ونهبت دورهم، وسبيت نساؤهم، وهدموا البيوت ثلاثة أيام، ولم يزل سلم بالبصرة حتى أتاه قتل ابن هبيرة، فشخص عنها، واجتمع من بالبصرة من ولد الحارث بن عبيد المطلب إلى محمد بن جعفر فولوه أمرهم، فوليهم أياماً يسيرة حتى قدم البصرة أبو مالك عبد الله بن أسيد الخزاعي من قبل أبي مسلم. فلما قدم أبو العابس ولا ها سفيان بن معاوية.
وكان حرب سفيان وسلم بالبصرة في صفر.
وفيها عزل مروان عن المدينة الوليد بن عروة واستعمل أخاه يوسف بن عروة في شهر ربيع الأول.
انقضت الدولة الأموية.

.ذكر ابتداء الدولة العباسية وبيعة أبي العباس:

في هذه السنة بويع أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة في شهر ربيع الأول، وقيل: في ربيع الآخر لثلاث عشرة مضت منه، وقيل في جمادى الأولى.
وكان بدء ذلك وأوله أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعلم العباس بن عبد المطلب أن الخلافة تؤول إلى ولده، فلم يزل ولده يتوقعون ذلك ويتحدثون به بينهم.
ثم إن إبا هاشم بن الحنفية خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله ابن عابس فقال له: يا ابن عم إن عندي علماً أنبذه إليك فلا تطلعن عليه أحداً، إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس فيكم. قال: قد علمت فلا يسمعنه منكم أحد.
وقد تقدم في خبر ابن الأشعث قول خالد بن يزيد بن معاوية لعبد الملك ابن مروان: أما إذ كان الفتق من سجستان فليس عليك منه بأس، إنما كنا نتخوف لو كان من خراسان.
وقال محمد بن علي بن عبد الله: لنا ثلاثة أوقات: موت الطاغية يزيد ابن معاوية، ورأس المائة، وفتق إفريقية، فعند ذلك يدعو لنا دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيلهم المغرب ويستخرجوا ما كنز الجبارون.
فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ونقضت البربر بعث محمد بن علي إلى خراسان داعياً وأمره أن يدعوه إلى ارضا ولا يسمي أحداً؛ وقد ذكرنا فيما تقدم خبر الدعاة وخبر أبي مسلم وقبض مروان على إبراهيم بن محمد، وكان مروان لما أرسل المقبوض عليه وصف للرسول صفة أبي العابس، لأنه كان يجد في الكتب: إن من هذه صفته يقتلهم وسلبهم ملكهم! وقالله ليأتيه بإبراهيم بن محمد.
فقدم الرسول فأخذ أبا العباس بالصفة، فلما ظهر إبراهيم وأمن قيل للرسول: إنما أمرت بإبراهيم وهذا عبد الله. فترك أبا العباس وأخذ إبراهيم فانطلق به إلى مروان، فلما رآه قال: ليس هذه الصفة التي وصفت لك. فقالوا: قد رأينا الصفة التي وصفت وإنما سميت إبراهيم فهذا إبراهيم. فأمر به فحبس وأعاد الرسل في طلب أبي العابس فلم يروه.
وكان سبب مسيره من الحميمة أن إبراهيم لما أخذه الرسول نعى نفسه إلى أهل بيته وأمرهم بالمسير إلى الكوفة مع أخيه أبي العباس عبد الله بن محمد وبالسمع له وبالطاعة، وأوصى إلى أبي العابس وجعله الخليفة بعده فسار ابو العابس ومن معه من أهل بيته، منهم: أخوه أبو جعفر المنصور، وعبد الوهاب ومحمد ابنا أخيه إبراهيم، وأعمامه داود وعيسى وصالح وإسماعيل وعبد الله وعبد الصمد بنو علي بن عبد الله بن عباس، وابن عمه داود، وابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي، ويحيى بن جعفر بن تمام ابن عباس، حتى قدموا الكوفة في صفر، موسى بن محمد بن علي، ويحيى بن جعفر بن تمام ابن عباس، حتى قدموا الكوفة في صفر، وشيعتهم من أهل خراسان، بظاهر الكوفة بحمام أعين، فأنزلهم أبو سلمة الخلال دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني داود وكتم أمرهم نحواً من أربعين ليلة من جميع القواد والشيعة.
وأراد فيما ذكر أن يحول الأمر إلى آل أبي طالب لما بلغه الخبر عن موت إبراهيم الإمام، فقال له أبو الجهم: ما فعل الإمام؟ قال: لم يقدم بعد فألح عليه. فقال: ليس هذا وقت خروجه لأن واسطاً لم تفتح بعد.
وكان أبو سلمة إذ سئل عن الإمام يقول: لا تعجلوا. فلم يزل ذلك من امره حتى دخل أو حميد محمد بن إبراهيم الحميري من حمام أعين يريد الكناسة، فلقي خادماً لإبراهيم الإمام ياقل له سابق الخوارزمي، فعرفه، فقال له: ما فعل إبراهيم الإمام؟ فأخبره أن مروان قتله، وأن إبرايم أوصى إلى أخيه أيب العباس واستخلفه من بعده، وأنه قدم الكوفة ومعه عامة أهل بيته، فسأله أبو حميد أن ينطلق به إليهم، فقال له سابق: الموعد بيني وبينك غداً في هذا الموضع؛ وكره سابق أن يدله عليهم إلا بإذنهم.
فرجع أبو حميد إلى أبي الجهم فأخبره وهو في عسكر أبي سلمة، فأمره أن يلطف للقائهم، فرجع أبو حميد من الغد إلى الموضع الذي واعد فيه سابقاً فلقيه، فانطلق به إلى أبي العابس وأهل بيته، فملا دخل عليهم سأل أبو حميد من الخليفة منهم. فقال داود بن علي: هذا إمامكم وخليفتكم. وأشار إلى أبي العباس، فسلم عليه بالخلافة وقبل يديه ورجليه وقال: مرنا بأمرك وعزاة بإبراهيم الإمام.
ثم رجع وصحبه إبارهيم بن سلمة، رجل كان يخدم بني العباس، إلى أبي الجهم فأخبره عن منزلهم وأن الإمام أرسل إلى أبي سلمة يسأله مائة دينار يعطيها الجمال كراء الجمال التي حملتهم، فلم يبعث بها إليهم، فمشى أبو الجهم وأبو حميد وإبراهيم بن سلمة إلى موسى بن كعبوقصوا عليه القصة، وبعثوا إلى الإمام؛ فمضى موسى ابن كعب، وأبو الجهم، وعبد الحميد ابن ربعي، وسلمة بن محمد، وإبارهيم بن سلمة، وعبد الله الطائي، وإسحاق ابن إبارهيم، وشرا حيل، وعبد الله بن بسام، وأبو حميد محمد بن إبراهيم، وسليمان بن الأسود، ومحمد بن الحصين إلى الإمام أبي العباس.
وبلغ ذلك أبا سلمة فسأل عنهم، فقيل: غنهم دخلوا الكوفة في حاجة لهم؛ وأتى القوم أبا العابس، فقال: وأيكم عبد الله بن محمد بن الحارثية؟ فقالوا: هذا، فسلموا عليه بالخلافة وعزوه في إبراهيم، ورجع موسى بن كعب وأبو الجهم، وأمر أبو الجهم الباقين فتخلفوا عند الإمام، فأرسل أبو سلمة إلى أبي الجهم: أين كنت؟ قال: ركبت إلى إمامي، فركب أو سلمة إلى الإمام، فأرسل أبو الجهم إلى أبي حميد: إن أبا سلمة قد أتاكم فلا يدخلن على الإمام إلا وحده. فلما انتهى إليهم أبو سلمة منعوه أن يدخل معه أحد، فدخل وحده فسلم بالخلافة على أبي العباس. فقال له أبو حميد: على رغم أنفك يا ماص بظر أمه! فقال له أبو العباس: مه! وأمر أبا سلمة بالعود إلى معسكره، فعاد.
وأصبح الناس يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول فلبسوا السلاح واصطفوا لخروج أبي العباس وأتوا بالدواب، فكرب برذوناً أبلق، وركب من معه من أهل بيته فدخلوا دار الإمارة، ثم خرج إلى المسجد فخطب وصلى بالناس، ثم صعد المنبر حين بويع له بالخلافة فقام في أعلاه، وصعد عمه داود بن علي فقام دونه، فتكلم أبو العباس فقال: الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه وكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا فأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوامبه والذابين عنه والناصرين له، فألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أحق بها وأهلها، وخصنا برحم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقرابته، وأنشأنا من آبائنا، وأنبتنا من شجرته، واستقنا من نبعته، جعله من أنفسنا عزيزاً عليه ما عنتنا حريصاً علنا بالمؤمنين رؤوفا رحيماً، ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتاباً يتلى عليهم، تبارك وتعالى فيما أنزل من محكم كتابه: {إما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} الأحزاب: 23؛ وقال: {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء: 214؛ وقال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله ولرسول ولذي القربى} الحشر: 7؛ وقال: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى} الأنفال: 41؛ فأعلمه جل ثناؤه فضلنا، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمةً لنا وفضلاً علينا، والله ذو الفضل العظيم.
وزعمت السبئية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم! ولم أيها الناس وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتها، وبصرهم بعد جهالتهم، وأنفذهم بعد هلكتهم، وأظهر بنا الحق، ودحض الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسداً، ورفع بنا الخسيسة، وتمم بنا النقيصة، وجمع الفرقة حتى عاد الناس بعد العداوة أهل التعاطف والبر والمواساة في دنياهم، وإخواناً على سرر متقالبلين في آخرتهم، فتح الله ذلك منةً ومنحةً لمحمد، صلى الله عليه وسلم.فلما قبضه الله إليه قام بالأمر من بعده أصحابه وأمرهم شورى بينهم فحووا مواريث الأمم فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها وخرجوا خماصاً منها. ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فانبذوها وتداولوها فجاروا فيها واستأثروا بها وظلموا أهلها بما ملأ الله لهم حيناً حتى آسفوه، فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا ورد علينا حقنا وتدارك بنا أمتنا وولي نصرنا والقايم بأمرنا ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا.
وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله.
يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور عليكم حتى أدركتم زماننا، وأتاكم الله بدولتنا، فأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح، والثائر المنيح.
وكان موعوكاً فاشتد عليه الوعك. فجلس على المنبر وقام عمه داود على مراقي المنبر فقال: الحمد الله، شكراً للذي أهلك عدونا وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محم، صلى الله عليه وسلم.
أيها الناس الآن أقشعت حنادس الدينا، وانكشف غطاؤها، وأشرقت أرضها وسماؤها، وطلعت الشمس من طلعها، وبزغ القمر من مبزغه، وأخذ القوس باريها، وعاد السهم إلى منزعه، ورجع الحق إلى نصابه في أهل بيت نبيكم، أهل الرأفة والرحمة بكم والعطف عليكم.
أيها الناس! إنا والله ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنكثر لجيناً ولا عقياناً، ولا نحفر نهراً، ولا نبني قصراً؛ وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزاهم حقنا، والغضب لبني عمنا، وما كرهنا من أموركم، فلقد كانت أموركم ترمضنا ونحن على فرشنا، ويشتد علنا سوء سيرة بني أمية فيكم واستنزالهم لكم واستئثارهم بفيئكم وصداقتكم ومغانمكم عليكم، لكم ذمة الله، تبارك وتعالى، وذمة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وذمة العابس، رحمه الله، علينا أن نحكم فيكم بما أنزل الله، ونعمل فيكم بكتاب الله، ونسير في العامة والخاصة بسيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تباً لبني حرب بن أمية وبني مروان! آثروا في مدتهم العاجلة على الآجلة، والدار الفانية على الدار الباقية، فركبوا الآثام، وظلموا الأنام، وانتهكوا المحارم، وغشوا بالجرائم، وجاروا باستدراج الله وأمناً لمكر الله، فأتاهم بأس الله بياتاً وهم نائمون، فأصبحوا أحاديث، ومزقوا كل ممزق، فبعداً لقوم الظالمين، وأدلنا الله من مروان، وقد غرة بالله الغرور، أرسل لعدو الله في عنانه حتى عثر في فضل خاصمه، أظن عدو الله أن لن نقدر عليه فنادى حزبه وجمع مكايده ورمى بكتائبه، فوجد أمامه ووراء وعن يمينه وشماله من مكر الله وبأسه ونقمته ما امات باطله، وحا ضلاله، وجعل دائرة السوء به، وأحيا شر فنا وعزنا ورد إلينا حقنا وإرثنا.
أيها الناس! إن أمير المؤمنين، نصره الله نصراً عزيزاً، إنما عاد إلى المنبر بعد الصلاة لنه كاره أن يخلط بكلام الجمعة غيره، وإنما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك، فاعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية، فقد بدلكم الله بمروان عدو الرحمن وخليفة الشيطان، المتبع السفلة الذين أفسدوا في الأرض بعد إصلاحها بإبدال الدين وانتهاك حريم المسلمين، الشاب المتكهل المتمهل المقتدي بسلفه الأبرار الأخيار الذين أصلحوا الأرض بعد فسادها بمعالم الهدى ومناهج التقوى.
فعج الناس له بالدعاء، ثم قال.
يا أهل الكوفة! إنا والله ما زلنا مظلومين مقهورين على حقنا حتى أباح الله شيعنا أهل خراسان، فأحيا بهم حقنا، وأبلج بهم حجتنا، وأظهر بهم دولتنا، وأراكم الله بهم ما لستم تنتظرون، فأظهر فيكم الخليفة من هاشم وبيض به وجوهكم، وأدالكم على أهل الشام، ونقل إليكم الله بشكر، والزموا طاعتنا، ولا تخدعوا عن أنفسكم، فإن الأمر أمركم، وإن لكل أهل بين مصراً وإنكم مصرنا، وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد؛ وأشار بيده إلى أبي العابس السفاح.
واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم، عليه السلام، والحمد لله على ما أبلانا وأولانا.
ثم نزل أبو العباس وداود بن علي أمامه حتى دخل القصر وأجلس أخاه أبا جعفر المنصور يأخذ البيعة على الناس في المسجد، فلم يزل يأخذها عليهم حتى صلى بهم العصر ثم المغرب وجنهم الليل فدخل.
وقيل: إن داود بن علي لما تكلم قال في آخر كلامه: أيها الناس إن والله ما كان بينكم وبين رسول الله،صلى الله عليه وسلم، خليفة إلا علي ابن أبي طالب وأمير المؤمنين الذي خلفي.
ثم نزل. وخرج أبو العباس يعسكر بحمام أعين في عسكر أبي سلمة ونزل معه في حجرته بينهما ستر وحاجب السفاح يومئذ عبد الله بن بسام. واستخلف على الكوفة وأرضها عمه داود بن علي، وبعث عمه عبد الله بن علي إلى أبي عون بن يزيد بشهرزور، وبعث ابن أخيه عيسى بن موسى إلى الحسن بن قحطبة، وهو يومئذ يحاصر ابن هبيرة بواسط، وبعث يحيى ابن جعفر بن تمام بن عباس إلى حميد بن قحطبة بالمدائن، وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر إلى بسام بن إبراهيم بن بسام بالأهواز، وبعث سلمة بن عمرو بن عثمان إلى مالك بن الطواف.
وأقام السفاح بالعسكر أشهراً ثم ارتحل فنزل المدينة الهاشمية بقصر الإمارة، وكان تنكر لأبي سلمة قبل تحوله حتى عرف ذلك.
وقد قيل: إن داود بن علي وابنه موسى لم يكونا بالشام عند مسير بنب العباس إلى العراق، إنما كانا بالعاق أو بغيره فخرجا يريدان الشام، فلقيهما أبو العابس قصتهم وأنهم يريدون الكوفة ليظهروا بها ويظهروا أمرهم. فقال له داود: يا أبا العباس تأتي الكوفة وشخ بني أمية مروان بن محمد بحران مطل على العراق في أهل الشام والجزيرة، وشيخ العرب يزيد بن هيرة بالعراق في جند العرب! وقال: يا عمي من أحب الحياةذل؛ ثم تمثل بقول الأعشى:
فما ميتة إن متها غير عاجزٍ ** بعارٍ إذا ما غالت النفس غولها

فالتفت داود إلى ابنة موسى فقال: صدق والله ابن عمك، فارجع بنا معه نعش أعزاء أو نمت كرماء. فرجعوا جميعاً.
فكان عيسى بن موسى يقول إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة: إن نفراً أربعة عشر رجلاً خرجوا من دارهم وأهلهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة همتهم، كبيرة أنفسهم، شديدة قلوبهم.